مناورات نتنياهو- حرب غزة، الانتخابات الأميركية، ومستقبل الصراع.

المؤلف: محمود علوش10.12.2025
مناورات نتنياهو- حرب غزة، الانتخابات الأميركية، ومستقبل الصراع.

يثير إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على إبقاء السيطرة الإسرائيلية على ممر فيلادلفيا، عقبات جمة أمام الجهود المتجددة الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. ففي الوقت الذي يتم فيه تصوير هذا المطلب على أنه ضرورة أمنية ملحة لإسرائيل، يشير رفض حماس ومصر القاطع له إلى أن هدف نتنياهو الحقيقي قد يتجاوز مجرد تأمين الحدود، ويهدف بشكل أكبر إلى تقويض الجولة الجديدة من المفاوضات بدلًا من السعي جديًا إلى اتفاق شامل يرضي جميع الأطراف المعنية.

هذه الاستنتاجات ليست ضربًا من الخيال، فنتنياهو مستمر في ممارسة أساليبه المراوغة في المفاوضات، ساعيًا إلى إطالة أمد الصراع لأقصى مدة ممكنة. وترافق تحرك أمريكي حثيث لاستئناف المفاوضات بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، مع تصاعد المخاطر الإقليمية، مما يشير إلى أن الدافع الرئيسي لواشنطن يتمثل في احتواء التداعيات الإقليمية المحتملة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

هذا الدافع يوضح بالملموس كيف يستغل نتنياهو المفاوضات كأداة لتجنب التكاليف الباهظة لتصعيد إضافي للحرب، مع الحفاظ على هامش للمناورة يتيح له التهرب من استحقاقات أي صفقة محتملة في غزة لأطول فترة ممكنة. ومع أن الضغوط المتزايدة التي يواجهها من قبل شركائه الأكثر تطرفًا في الحكومة تمثل بلا شك عقبة كأداء أمام التوصل إلى اتفاق، إلا أنها ليست العائق الوحيد.

فمنذ أن تعثرت الأهداف المعلنة للحرب الإسرائيلية، تحولت استراتيجية نتنياهو بشكل ملحوظ نحو إطالة أمد الحرب حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في نوفمبر/ تشرين الثاني، مدفوعًا باعتقاده الراسخ بأن عودة محتملة للرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستمهّد الطريق أمامه لتحقيق أهدافه في غزة، ورفع التكاليف على انخراط إيران بالوكالة في الصراع عبر وكلائها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الله. والآن، مع تبقي شهرين فقط على الانتخابات الحاسمة، يبدو أن نتنياهو قد نجح بالفعل في استغلال عامل الوقت لصالحه.

وحتى لو تكللت جهود الوسطاء بالنجاح في إبرام اتفاق بشأن غزة في الفترة المتبقية قبل الانتخابات، فإن ذلك لن يمثل بأي حال نهاية المطاف للحرب؛ لأن ترتيبات ما بعد الصراع لا تقل تعقيدًا عن مجريات الحرب نفسها. كما أن أي صفقة محتملة في غزة قد تسهم في الحد من خطر انتشار الحرب في المنطقة على نطاق أوسع، إلا أنها لن تضع حدًا نهائيًا لهذا الخطر؛ لأن مخاطر توسع نطاق المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة تزداد باطراد، ما يجعلها مشكلة قائمة بحد ذاتها.

وعليه، ستكون لنتائج الانتخابات الأميركية المقبلة تداعيات حاسمة على مسار الحرب، وسياقاتها الفلسطينية الإسرائيلية والإقليمية. ومع ذلك، تتجاهل النقاشات الدائرة حول التأثيرات المحتملة لعودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، أو فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، نقطتين جوهريتين.

  • الأولى هي الالتزام الأميركي الراسخ والثابت بدعم إسرائيل، بغض النظر عن هوية الرئيس الذي يشغل منصب الرئاسة في البيت الأبيض.
  • والثانية تتمثل في أن الخلافات العميقة بين نتنياهو وإدارة بايدن لم تمس هذا الالتزام الثابت أبدًا، بل تتمحور حول الاختلاف في وجهات النظر حول الكيفية المثلى لتحقيق إسرائيل انتصارًا استراتيجيًا في هذه الحرب.

وبناءً على ما تقدم، لا ينبغي المبالغة في التوقعات بأن فوز هاريس سيعمل على الدفع نحو إنهاء الحرب ومعالجة آثارها الإقليمية بشكل جذري، أو أن فوز ترامب سيمنح نتنياهو فرصة سانحة لتحقيق نصر حاسم بالطريقة التي يصبو إليها.

من المؤكد أن ترامب سيظهر قدرًا لا يستهان به من اللامبالاة تجاه السلوك الإسرائيلي في الحرب، وسيمتنع عن توبيخ حكومة نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين الذين يشجعون على الاحتلال طويل الأمد لقطاع غزة، ويدعمون توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين قسرًا منها على غرار ما تفعله إدارة بايدن، أو ما قد تفعله هاريس بعد فوزها. لكن من غير المتوقع على الإطلاق أن يدعم ترامب رغبة نتنياهو الجامحة في إشعال حرب إقليمية واسعة النطاق مع إيران ووكلائها في المنطقة؛ لأن مثل هذه الحرب ستجر ببساطة الولايات المتحدة إلى مستنقع الصراع.

لقد أظهر ترامب – على غرار بايدن وهاريس – أنه يفضل المضي قدمًا في جهود دمج إسرائيل في المنظومة الإقليمية وتحقيق التطبيع؛ لأنه يرى أن هذه هي الطريقة الأنسب لتغيير ملامح الشرق الأوسط، ودفع حلفاء واشنطن الإسرائيليين والعرب إلى تعزيز التكامل فيما بينهم، والاعتماد على أنفسهم بشكل أكبر لتقويض النفوذ الإقليمي لإيران.

مع ذلك، وبالنظر إلى السياسة التي انتهجها ترامب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال فترة ولايته الأولى، والتي أعطى فيها الأولوية لدمج إسرائيل في المنطقة على حساب معالجة جوهر الصراع نفسه، فإن فوزًا محتملًا له قد يعزز فرص التطبيع في المنطقة، لكن من غير المتوقع بأي حال من الأحوال أن يسهم في تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تؤدي إلى حل نهائي وشامل للصراع على أساس حل الدولتين وفقًا للشرعية الدولية.

على الرغم من أن تعامل إدارة بايدن مع الحرب كان من بين العوامل الرئيسية التي ساهمت في إطالة أمدها، وفي تشجيع إسرائيل على تصعيدها، وتأجيج مخاطرها الإقليمية، فإن فوزًا محتملًا لهاريس سيكون أقل ضررًا على القضية الفلسطينية، مقارنة بفوز ترامب، وليس أكثر فائدة عليها؛ لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، لم تتخل عن التزامها الراسخ بدعم إسرائيل، مع بعض الاستثناءات الطفيفة التي كان لها تأثير محدود على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويتجلى الضرر الأقل في أن بقاء الديمقراطيين في البيت الأبيض لن ينبئ على الأقل بتحول جذري في مقاربة واشنطن لترتيبات ما بعد الحرب في غزة، أو إلى تراجع واشنطن عن التزامها بنهج حل الدولتين، على الرغم من أن هذا الالتزام لم يتجاوز حدود الموقف السياسي المعلن أثناء ولاية بايدن.

ويبدو أن ترامب وهاريس يتفقان على فكرة أساسية، وهي أن النصر الاستراتيجي الذي يمكن أن تحققه إسرائيل في هذه الحرب يكمن في تعزيز اندماجها الإقليمي والاستفادة القصوى من فرصة التطبيع المتنامية في المنطقة، حتى وإن كان ذلك على حساب القبول بفكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة